مصطلحات نفسية: التحليل النفسي
Psycho – analysis
شبكة النبأ: طريقة لعلاج الأمراض النفسية بالتقصّي السيكولوجي العميق وتفسير التصرفات (أفعال، كلام) ونتاجات الفرد، أصبحت مجموعة من المبادئ والقواعد للمعرفة النظرية وعلم اللاشعور.
يرتبط مصطلح (التحليل النفسي)، بالنسبة للرابطة العالمية للتحليل النفسي، بنظرية بنية الشخصية وعملها الوظائفي، وبتطبيق هذه النظرية في مجالات أخرى من المعرفة، وأخيراً بتقنية علاجية نوعية، وتستند مجموعة المعارف إلى كشوف سيكولوجية أساسية لفرويد هي القاعدة لهذه المجموعة من المعارف (المؤتمر الثلاثون، القدس 1977).
وإذ لاحظ الأستاذ س. فرويد، الاختصاصي الفييناوي في الأمراض العصبية والتلميذ القديم لشاركو (ج.م) وه.م. برينهايم) (نانسي) تلك المفوعلات الضارة التي تسببها بعض الأحداث والأعراض الصدمية التي تبدو منسية، فإنه أثبت وجود صلة بين هذه الأحداث والأعراض الملاحظة واستنتج وجود لا شعور دينامي. فبعض أفعالنا بدءاً من أكثرها ابتذالاً (نسيان وضع رسالة في البريد) وحتى أكثرها غرابة (طقس غسل اليدين لدى بعض العصابيين، على سبيل المثال) مشروطة، يؤكد فرويد، بأسباب غامضة ولكنها واقعية. وللأعراض العصابية معنى، وبوسعنا أن نفهمها شريطة تجاوز بعض المقاومات التي يوجد اللاشعور خلفها. ويجرّب فرويد على التوالي، ليفلح في فهمها، التنويم المغناطيسي (الذي لم يعجبه، لأن رائحة السحر تفوح منه)، ثم الإيحاء (بوسعك أن تتذكر ماضيك)، وأخيراً طريقة الترابط الحر (قل كل ما يخطر ببالك) وهذه الطريقة الأخيرة بانت أنها الأفضل لأنها تحترم الشخص.
وإذ يُخضع الفرد لـ القاعدة الأساسية التي تكمن في أن يعلن ما يخطر بباله ويستشعره، دون أن ينسى شيئاً، حتى ولو أن ذلك يبدو له عبثاً، غير معقول أو غير مناسب، فإنه يقيم مع المحلل نموذجاً ذا امتياز من التواصل يلائم بروز النتاجات اللاشعورية. إنه لا يعاني العلاج بل يُسهم فيه. ولا يحدث اكتشاف لا شعوره بضرب من التحطيم، بل بعد مسيرة طويلة إرادية، ليتعلم خلالها أن يواجه كل أفكاره، حتى الأكثر بشاعة، وأن يسوس انفعالاته التي لم يكن يستطيع أن يسودها في الماضي وأتقاها بكبتها. ولا يفلح إلا بعد أن يهجر المقاومات. ويسعى المحلل النفسي جاهداً ليظل خلال الجلسات حيادياً بصورة كاملة، ويترك المريض يعبر عن نفسه دون تقييد ولكنه يفسر مقاوماته واتجاهاته إزاءه (التحويل). ويسعى العلاج التحليل إلى أن يجري تغيرات عميقة ودائمة في الشخصية إذ ينمي قدرة الأنا على الاندماج.
إنه إذن يضرب من إعادة التربية السيكولوجية (بواقع ثلاث إلى اربع مرات أسبوعياً) يمتد طوال شهور بل سنين ولا يمكننا الشروع فيه إلا إذا تحققت بعض الشروط. وأهمها: إرادة المريض في الشفاء التي لولاها لا يمكنه أن يحترم الأعراف الأساسية: انتظام الجلسات، قاعدة عدم الإغفال، الخ، وكل الجهود المقبولة تظل عبثاً؛ مستوى عقلي وثقافي كاف (متخلّف أمي عاجز عن الاستبطان الدقيق لا يمكنه أن يفهم دقائق اللاشعور)؛ عمر متقدم قليلاً (يصعب على المرء في عمر النضج أن يغير اتجاهاته). وينبغي أن يدير العلاج التحليل معالج ذو تأهيل عال، عانى هو ذاته تحليلاً تعليمياً وأجرى تحليلات تحت المراقبة.
وأتاح التحليل النفسي توضيح عدد معين من الوقائع النفسية التي استخلص س، فرويد قوانينها. واكتشافه الرئيس هو اكتشاف جنسية الطفولة، التي تولد مع الحياة وتمر بمراحل مختلفة قبل أن تبلغ المرحلة التناسيلة بالمعنى الحقيقي للكلمة، حيث الهدف الجنسي هو الجماع الطبيعي مع شريك من الجنس المقابل. ولكن الدوافع (القوى البيولوجية) خاضعة، من الولادة إلى البلوغ، لعدد معين من العوامل التي تؤثر في قدرها. ومن الضروري، لوصف هذه الحالات النفسية، ان ننظر إليها من وجهة نظر دينامية (نزاع بين القوى المتواجهة)، اقتصادية (كمية الطاقة المصروفة)، وموقعية (بنية الشخصية) وسيق فرويد على هذا النحو إلى أن يعد نظريته، المنقحة باستمرار والمتطورة على نحو مستمر، التي يمكننا أن نذكر بمبادئها الكبرى: 1) كل تصرف ينزع إلى أن يلغي توتراً شاقاً (مبدأ اللذة)؛ 2) يفرض العالم الخارجي بعض الشروط التي ينبغي أخذها بالحسبان (مبدأ الواقع)؛ 3) للتجارب البارزة ميل إلى أن تتكرر (قسر التكرار)؛ 4) الجهاز التنفسي يحتوي على مراجع: الهو (مجموعة من الدوافع الأولية خاضعة لمبدأ اللذة)، الأنا العليا (مجموعة من المحرمات الأخلاقية المستدخلة)؛ الأنا التي وظيفتها تكمن في أن تحل النزاعات بين الدوافع والواقع أو بين الهو والأنا؛ 5) عندما لا تفلح الأنا في أن تجعل الفرد متكيفاً مع وسطه أو في أن تشبع حاجاته، تحدث اضطرابات السلوك (نكوص، عصاب، اضطرابات نفسية جسمية، جنوح، الخ)، التي يتيح علاج التحليل النفسي إصلاحها أو شفاءها.
وكان علاج التحليل النفسي، الموقوف في البدء على تحليل الراشدين العُصابيين، قد توسع تدريجياً فشمل الأطفال والمجرمين والفصاميين، ولكن التحليل النفسي لا يقتصر على أن يكون علاجاً. إنه أصبح علم نفس الأعماق، ضرباً من العلم الذي يشرح السلوك الإنساني، قادراً على أن يقدم فروضاً خصبة لمختلف العلوم الإنسانية، ولاسيما علم النفس التكويني، والطب النفسي، والبيداغوجيا، وعلم الاجتماع، والانتروبولوجيا.
متعلقات
مرض عصاب جماعي بالارتهان للماضي(1)
يجزم الاستاذ جورج طرابيشي بأن امتنا مصابة بمرض «العصاب الجماعي» بموجب علم التحليل النفسي ، ويركز في كتابه «المثقفون العرب والتراث - التحليل النفسي لعصاب جماعي» ان علتنا الاساسية هي الهروب من الحياة ومواجهة المستقبل الى العيش في الماضي ، ولا يخفى ان الماضي يمتعنا وان المستقبل لا يعنينا ، وهنالك خصائص للعربي يصفها المفكر الاسلامي جمال الدين الافغاني بحالة جمود مستحكمة ويقول الافغاني «العربي يعجب بماضيه واسلافه ، وهو في أشد الغفلة عن حاضره ومستقبله» ، ولكن السؤال هو هل هذه الخصائص دليل على مرض العصاب ، يقول فيليب رييف: «العصاب هو عجز الانسان عن الافلات من قبضة الماضي ومن عبء تاريخه» اما سيفموند فرويد مؤسس علم التحليل النفسي فيقول «العصابي يشيح عن الواقع لأنه يجده لا يطاق بتمامه او في بعض اجزائه».
ومن عشرات النصوص التي يوردها الاستاذ جورج طرابيشي في كتابه يتضح انه منذ بدايات القرن التاسع عشر لم تتوقف الدعوات للتغيير والالتحاق بركب التقدم والانتماء للعصر ومن ذلك صرخة شيخ الازهر ابان الحملة الفرنسية الذي قال «ان بلادنا لا بد ان تتغير ويتجدد بها من العلوم ما ليس فيها» وفي العام 1830 طالب رفاعة الطهطاوي الأمة ان تصحو من نوم الغفلة ويبحثوا عن العلوم البراثية ، ولم تتوقف المطالبات بالدعوة للتغيير على مدى قرنين.
ولعل ابرز ما يلفت الانتباه في كتاب الاستاذ طرابيشي لم يحمل الحركات الاسلامية وحدها مسؤولية الاستغراق في الماضي ، وانما يعتقد ان حالة جماعية تتوق للعيش في الماضي وتمارس العجز عن مواجهة المستقبل وتحدي التغيير ، وحتى الفكر القومي واليساري ظل في رأيه عاجزا عن ان يخلق تغييرا على المستوى الجمعي للجماهير
التحليل النفسي للشخصية الاميركية(2)
هذا التحليل هو الفصل الاول من كتاب " النفس المفككة/سيكولوجية السياسة الاميركية" وفيه محاولة لفهم الخلفيات الفكرية والثقافية لنمط الحياة الاميركي ومواقفه من الآخر. وهي مواقف تبدو في غاية القبول الليبيرالي داخل الولايات المتحدة لتتحول الى جبروت الغاء ا\لاخر بالقوة خارج اميركا. ويضم هذا الفصل مقدمة وعرض للدراسات السابقة حول الشخصية الأميركية.
التحليل النفسي للشخصية الاميركية
قد لايكون من الموضوعي الحديث عن شخصية اميركية وسط هذه التعددية المغرقة في التعقيد. حيث الانتماء لايتوزع على محور الاصول العرقية او اللغوية او التاريخية بل تضاف اليه محاور اخرى يتعلق اهمها بتاريخ الهجرة والمدة الفاصلة بينه وبين الراهن. عداك عن محور التصنيف الطبقي الذي يصنف الجماعات الاميركية وفق دخلها السنوي.
مع ذلك يبقى تحليل هذه الشخصية ممكنا" بسبب اعتمادها قالبا" سلوكيا" نمطيا" هو ذلك المسمى بنمط الحياة الاميركية. وهو قابل للتحليل خاصة مع غياب الفروقات العقائدية العميقة. حيث يميل التحليل الى تصنيف القوالب السلوكية الجامدة في خانة العصاب السلوكي. حيث يعرف التحليل النفسي هذا العصاب كالتالي: "انه من الاعصبة الراهنة (اي انها لاتعود الى عقد في صلب الشخصية) التي تتأتى عن تجارب سلبية تدفع بالشخص الى الاعتياد على تنفيذ رغباته وممارسة غرائزه دون اخضاعها لسيطرة او مساهمة الجهاز العقلي. ويدل ذلك على ان الوظائف النفسية لدى هذا النوع من العصابيين لم تتوطد بشكل ثابت وراسخ.".
ولدى مراجعتنا لنمط الحياة الاميركي نجده ينتمي تحديدا" الى هذا النوع من العصاب. اذ تمت تربية المواطن الاميركي حتى لايهتم الا بما يعود عليه بالمنفعة. اما العقل والجهاز العقلي فهما صندوق اسود يستحسن عدم الخوض فيه. وهذه ليست تهم نسوقها جزافا" اذ ان احصاءات الثقافة العامة لدى المواطن الاميركي هي خير داعم لهذا التشخيص. الذي يتدعم ايضا" من خلال الخضوع الكلي للجمهور الاميركي للايحاءات الاعلامية. وحسبنا هنا التذكير بضآلة المعلومات العامة الفضائحية في المقابلة التلفزيونية التي اجراها ووكر بوش وهو بعد مرشح. اذ انه كان يسعى الى رئاسة اقوى دول العالم دون ان يملك المعلومات العامة التي يحتاجها اي متسابق في برنامج العاب تلفزيوني.
المعالجة النفسية
بالطرق الطبيعية(3)
تترادف المعالجة النفسية في أذهان الكثيرين مع التحليل النفسي. والحق أن التحليل النفسي ليس إلا واحدة من التقنيات التي تستخدمها المعالجة النفسية استناداً إلى مناهج علم النفس والعلوم الطبية، إلى جانب المعالجات الأخرى الدوائية والجراحية والمعالجة بالصدمات وجملة من التقنيات اللطيفة. يخضع اختيار الطبيب لواحدة من هذه التقنيات لمجموعة من الاعتبارات تتقدمها نظرته إلى الحياة ككل ورؤيته لعلاقة الإنسان بالمجتمع والطبيعة.
يشكِّل الطب النفسي المعاصر حصيلة مئات وآلاف السنين من التجارب والأخطاء استخدمت خلالها طُرق مختلفة من التشخيص والعلاج. فكثيراً ما كانت تطبق طرق علاجية متضادة من أجل معالجة مرض واحد. فمدارس علم النفس عديدة، ولابد لكل طبيب من اتخاذ مدرسة له يستطيع عبرها أن يشخِّص المرض ويضع خطة معالجة له. لذلك تتعدد التعاريف والعلاجات ويُختلَف على الطرق التشخيصية العديدة وموضوعيتها وقيمتها العلمية والإنسانية.
إن التطور العلمي الذي حدث في القرن التاسع عشر دفع بعض العلماء إلى إنكار أية قوة خاصة للحياة سعياً منهم وراء "موضوعية" مزعومة. ورافقت هذه النظرة الاختزالية reductionist مفاهيم الحتمية necessity والسببية causality التي كانت سائدة في الفيزياء والعلوم الأخرى آنذاك. فكان أن بدأ الأطباء بالتعامل مع الإنسان وكأنه آلة مؤلفة من أجزاء منفصلة وعمَّموا نتائجهم بحيث إن ما يصح على شخص ما في ظرف ما يصح على الآخرين، واعتبروا المرض عدواناً خارجياً يجب قمعه بما توفر من وسائل شكلت مئات الأدوية المتوفرة ترساناتها الرئيسية.
أما اليوم فإننا نشهد توطّد نمط جديد من الطبابة، له جذوره العميقة في الطب اليوناني القديم وفي حكمة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية. إذ عاد العلم ليؤكد اعتبار الإنسان كلاً متكاملاً أو وحدة عضوية تتألف من واحدات أصغر في تفاعل ديناميّ مستمر وارتباط وثيق مع الطبيعة. وإن خصائص الأجسام الحية، وفقاً لهذه النظرة، مظاهر متنوعة لمبدأ ديناميّ أساسي هو مبدأ التنظيم الذاتي auto-organization الذي يشتمل على تنظيم العمليات الاستقلابية والتجدد الذاتي للخلايا والأنسجة والشفاء الذاتي. ووفق هذه النظرة، يصبح المرض تعبيراً عن خلل في التوازن الداخلي أو في العلاقة مع المحيط وردة فعل طبيعية من أجل إعادة التوازن، وتصبح مهمة الطبيب المعالج تهيئة الشروط الصحية الملائمة ومساعدة العضوية على تحقيق قدراتها الطبيعية في الشفاء الذاتي فيما يمكن اعتباره أساسياً للمعالجة الطبيعية.
فتح فرويد فتحاً جديداً في دراسة النفس الإنسانية من خلال ممارسة التحليل النفسي عندما كانت معظم المدارس العلمية ترفض الاعتراف بوجود خاص للنفس الإنسانية (نذكر مثلاً دراسات بافلوف على الأعصاب والدماغ من أجل فهم السلوك الإنساني وأعمال مدرسة واطسون السلوكية التي اهتمت بدراسة السلوك الإنساني دون أن تأخذ بعين الاعتبار الصيرورات الفسيولوجية). ولكن فرويد بقي أسير مفاهيم عصره في الحتمية والسببية، فجعل من العصاب نتيجة لأحداث في الطفولة وعمّم نتائجه معتقداً بموضوعية طريقته واستمر كذلك طويلاً قبل أن يغير رأيه بتأثير من يونغ ومن الفيزياء نفسها التي تحولت لتؤكد دور الراصد في وصف الظاهرة وتأثيره على الظاهرة نفسها. أما يونغ فقد ركز منذ البداية على الخصوصية النفسية لكل فرد من الأفراد وتعامل معها على أنها كلٌّ متكامل، لا أجزاء متنافرة. ويقول بهذا الصدد أن النفس هي المريضة في العصاب ولا يمكن مواجهة الأعراض الخاصة خارجاً عن الشخصية الكلية التي لا تبلغ شفاءها التام دون ترميم هذه الكلية المجروحة. لقد توجَّه يونغ إلى قوة الحياة لدى المريض بدلاً من الاكتفاء بمعالجة الأعراض، وعرّف العصابات على أنها اختلال في التوازن وعي-لاوعي، يشكل التحليل النفسي الوسيلة المساعدة لاسترجاع هذا التوازن، ووسّع مفهوم الليبيدو libido ليشمل الطاقة النفسية ككل. وبذلك بات التحليل النفسي وسيلة لفهم الإنسانية وتاريخها. ويقول عن دور الطبيب النفسي: " علينا أن نسترشد بالطبيعة، فما يفعله الطبيب هو تنمية البذور الخلاقة لدى المريض أكثر من معالجته." هكذا تقوم طريقة يونغ في المعالجة النفسية على محاكاة الطبيعة وتنشيط الطاقة النفسية. ولهذا يعتبر يونغ مؤسس علم النفس الكلِّي وواضع المبادئ الحديثة للمعالجة النفسية بالطرق الطبيعية.
المعالجات النفسية التحليلية
يعتمد التحليل النفسي على فكرة اللاوعي وديناميّة التعبير الرمزي؛ وهي تقنية تهدف إلى بعث تحويلي للصراعات النفسية أثناء العلاقة الخاصة مع المعالِج. وهي تؤثر في العمق ساعية إلى جعل المريض واعياً للقوى النفسية اللاواعية التي تحكمه. ولابد لنا من التمييز بين عدة أنماط من التحليل النفسي: الفرويدي واليونغي والآدلري والروجري وغيرها.
لقد استخدم التحليل النفسي في بداياته التنويم المغناطيسي، وكان العلاج يتم بالتطهير، أي مساعدة المريض على تفريغ شحنته العاطفية والإفاضة عن مشاكله الكامنة منذ الطفولة بحسب فرويد. ولكن فرويد سرعان ما ترك هذه الطريقة، وبدأ في عام 1904 سعيه لاقتحام ميدان اللاوعي، سالكاً الطريق الملكي: الحلم. واهتم فرويد بإزالة فقدان الذاكرة الطفولي المتضمِّن، كما يعتقد، الرضّة trauma النفسية الأوّلية المسبب للعصاب. وقد أبدى عدد كبير من المرضى مقاومة لهذه الطريقة، حتى إن فرويد نفسه اكتشف فيما بعد أن إزالة فقدان الذاكرة الطفولي يحدث عند نجاح المعالجة وليس سبباً لنجاحها. ومنذ ذلك الوقت (1920) تم التركيز على الأنا ووظائف الشخصية وعلاقتها باللاوعي. وأخذت العلاقة بين المحلِّل والمحلَّل تحظى بمزيد من الاهتمام والدراسة من قبل المحلِّلين النفسيين.
من محاكمة الذات المجتمعية العربية الى محاكمة المثقف؟
اخفاقات التحليل النفسي(4)
يلحظ المتابع لحركية الفكر العربي المعاصر، تنامي أحد وجوه هذا الفكر باتجاه دراسة الذات المجتمعية العربية،. وأبعد من ذلك باتجاه دراسة الذات الثقافية العربية تمهيدا لمحاكمة المثقف العربي. فمن اواسط عقد السبعينات، الى يومنا هذا، ونحن أمام فيض من الدراسات التي تتوسل التحليل النفسي كوسيلة معرفية لمعرفة الذات المجتمعية العربية، بهدف فك اسارها من قبضة الموروث السحري والخرافي والطلسمي والكراماتي وزيارات الأضرحة في محاولة
للحاق بركاب العصر.
كان الاطار المرجعي الفكري الذي حكم الدراسات التي جعلت من الذات العربية موضوعا للتحليل النفسي يحتكم الى شعار ايديولوجي. روجت له الدراسات العربية بعد نكسة حزيران / يونيو 1967، ومفاده ان التخلف العربي بجميع وجوهه، يمكن رده الى التخلف الاجتماعي، بصورة أخرى الى سيادة القيم التقليدية العربية. كما عبر عن ذلك صراحة عبدالله القروي في "الايديولوجيا العربية المعاصرة، 1970"، وصادق جلال العظم (نقد الفكر الديني، 1969) وياسين الحافظ في "الهزيمة والايديولوجيا المهزومة، 1978 "، الى دراسات عديدة لا مجال لذكرها الآن، والتي روجت لهذه الاطروحة التي لاقت صدى بصورته لافتة للنظر.
مع بداية عقد السبعينات الذي شهد زخما مؤدلجا في الهجوم على القيم الاجتماعية العربية التقليدية، اصدرت دار الحقيقة في بيروت، والتي دشنت وجودها باصدار كتب القروي واشير الى "الايديولوجيا العربية المعاصرة، 1970" و "العرب والفكر التاريخي، 1973"، اصدرت هذه الدار اولى بواكيرها في دراسة الذات العربية، واشير الى الكتاب المشترك الذي حرره الدكتور ابراهيم بدران والدكتورة سلوى الخماش والموسوم بـ"دراسات في العقلية العربية؛ الخرافة" واعتبروه بمثابة الجزء الاول من دراسات لاحقة.
كان بدران وسلوى الخماش، على وعي بالمزالق التي يقود اليها التحليل النفسي والنتائج التي لا تحمد عقباها وما يستتبع ذلك من الانطلاق في مواقف سادية او شيزوفرونية تحصر الخرافة بالشعب العربي، لكن المقدمة التي وضعاها معا للكتاب، تكشف عن تفرد المجتمع العربي عن غيره في مجال الخرافة. يكتب المؤلفان التالي: نعتقد ان التركيب السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع العربي بكل ما يتضمنه من ضغوط فكرية وسياسية، هذا التركيب بكامله حين تتغلغل فيه الخرافة وخاصة المستندة منها الى اصول الايديولوجيا الدينية، سواء كان هذا الاستناد حقيقيا او وهميا، يصبح تركيبا خاصا، ووضعيته منفردة يتميز بها المجتمع العربي عن غيره" ولا يكتفي المؤلفان بتسجيل هذه الحقيقة فقط، فهما يذهبان الى أبعد من ذلك عندما يسجلان تفشي الخرافة في اوساط المتعلمين العرب يقولان "أما بالنسبة للفئات المتعلمة، فان طريقة التفكير لديها لم تتغير جذريا عما كانت عليه قبل مئة عام بالكم والكيف الذي يتناسب مع المعلومات غير الخرافية التي استطاعت تحصيلها، وسنرى ان اعدادا كبيرة من المتعلمين والذين يشغلون مناصب قيادية في اجهزة الدولة مازال تفسيرهم وتعليلهم للاحداث بعيدا عن العلمية، وان الاساس الخرافي الذي اقيمت عليه البنية العلمية الحديثة في ذهنية المتعلم، مازال يؤثر بشكل فعال في رد فعل الفرد والمجتمع، وخاصة حين تمر البلاد او الفرد بمشاكل لم يكن يتوقعها، اي فترات الازمات، فيكون عندئذ على استعداد حتى لتصديق الخرافة التي يؤمن بها الفلاح البسيط. ان الازمات في المجتمع العربي، ومثال ذلك حرب عام 1948، 1967، 1973، تكشف أن هناك وحشا خرافيا متربصا في الذهن العربي على استعداد للانطلاق وهدم كل ما اقامته جامعات اكسفورد، وكاليفورنيا، ولندن وباريس وبرلين في ذهن المتعلم العربي".
وفي بحثهما عن هذا الوحش الخواف المتربص في الذهن العربي والمتربع على عرشه يقوم المؤلفان برصد ظاهرة الكائنات الخفية من جن وعفاريت وظاهرة الاولياء والسحر والشعوذة ليقودانا الى النتيجة الاولية التالية «ان لجوء الجماهير الى مختلف أنواع الخرافات لعلاج الامراض الجسمانية والاجتماعية ومواجهة المشاكل الحياتية عموما على المستوى الفردي او الجماعي ما زال واسع الانتشار في البلاد العربية. وما زال الذهن الاجتماعي قادرا ومستعدا لتوليد الخرافات وترويجها، هروبا من التفسير العلمي للواقع، وجريا وراء المعجزة التي ينتظر حدوثها بين الحين والاخر».
وبالرغم من ان المؤلفين قد قدما لنا وثائق اناسية (انثربولوجية) عن الخرافة وكافة مظاهر الشعوذة والسحر في المجتمع العربي، وقدما لنا النصائح باعتماد العلمنة والفكر العلمي لمواجهة الخرافة، الا انهما لم يكونا مزودين بأي منهج لدراسة الخرافة وانتشار الاساطير، وهذا ما دفعهما الى التضخيم، وذلك من خلال التأكيد على فرادة وتفرد المجتمع العربي في هذا المجال، مع ان الخرافة بمضمونها العرض كما يرى الفكر العربي وكذلك الاسطورة، تنتشران من أقصى الارض الى اقصاها، وهذا يعني ان علينا ان نتجاوز منهج الجمع والوصف والارشفة لنتساءل مع الاناسي الفرنسي كلود ليفي ستروس في "الاناسة البنيانية": اذا كان موضوع الاساطير والخرافات عرضيا فكيف نفسر انتشارهما من أقصى الارض الى اقصاها. كذلك فقد قادهما غياب المنهج والمفاهيم الى عجز في الكشف عن السر، الذي يجعل الذهن العربى الاجتماعي "قادرا ومستعدا لتوليد الخرافات وترويجها". وقد دفعهما هذا الغياب الى الارتماء في احضان النزعة العلموية (التي تدعي تفسير الواقع من منظور علمي) والتي من شأنها ادانة المجتمع العربي بدلا من قراءة دقيقة لواقعه، وهذا ما وقع فيه المؤلفان.
مع النصف الثاني من عقد السبعينات وبداية الثمانينات، نجد أنفسنا في مواجهة نزعة مباشرة تسعي الى تطبيق نتائج التحليل النفسي على الذات العربية وتقطع مع الاتجاه الوجل الذي ذهب اليه بدران وخماش في دراستهما عن العقلية الخرافية العربية. هذه النزعة جعلت هدفها ادراك سر التخلف الاجتماعي في جهة، ووضع اللبنات الاساسية لمدرسة التحليل النفسي للذات العربية. وجاء كتاب الدكتور مصطفى حجازي الذائع الصيت والموسوم بـ"التخلف الاجتماعي: مدخل الى سيكولوجية الانسان المقهور (بيروت، معهد الانماء العربي، 1981).
كان جوهر اطروحة حجازي يقول ان للتخلف وجها اجتماعيا وان كل اشكال التخلف الاخرى الاقتصادية والتكنولوجية، هي بدورها وليدة التخلف الاجتماعي وليست رديفة له. وان هذا التخلف الاجتماعي الذي يستفيض الباحث حجازي في شرحه، هو مسألة اساسية تمس معنى الانسان وقيمه وعلاقاته واوضاعه في البلدان العربية المتخلفة. وتتلخص هذه المسألة من وجهة نظره في ركنين اساسيين: الفن والاعتباط. قهر الحاكم للمحكوم ومن هنا العنوان الفرعي للكتاب (سيكولوجية الانسان المقهور) وليس "المتخلف" واعتباط الطبيعة والمتسلط.
كان تأكيد الدكتور حجازي على "سيكولوجية الانسان المقهور" يقتني منه ان يحضر معه ويستدعي كل العدة الفرويدية - نسبة الى سيجموند فرويد عالم النفس الشهير - وكان هذا الاستدعاء يقتني ان يسوق المهتمون بالتحليل النفسي للذات العربية، فرضية فرويد في كتابه الذائع الصيت والموسوم بـ"الطوطم والتابو" والتي اعتبرها كلود ليفي ستروس اسطورة فرويد من جهة وشاهدا على الكيفية التي ينتج بها المحللون النفسيون اساطير جديدة.
ان جوهر اطروحة فرويد، يقوم على اسطورة فصلها جيدا في "الطوطم والتابو"، وجوهرها ان هناك جريمة قتل بدئية قام بها الاولاد المهددون بالخصاء من قبل أبيهم، مما دفعهم الى قتله، ثم قادتهم مشاعر الندم بعد ذلك الى تقديسه. وقد طبق فرويد فرضيته هذه في دراسة المسيحية ونشوئها، وفي دراسته لشخصية الرئيس الامريكي وودروولسون وخرج منها بنتائج تهم هذا النوع من الدراسات.
أعود للقول ان استدعاء العدة الفرويدية من قبل الدكتور حجازي واستخدامها في فحص المجتمع العربي دفعا الى الصراخ (وجدتها، وجدتها) فقد اكتشف كل علل المجتمع العربي على الاطلاق وكذلك امراضه المزمنة، مما دفعه الى تفسير مشاكل هذا المجتمع على ضوء المازوشية والسادية، حيث لم تنفع تحذيرات الدكتور بدران والدكتورة الخماش وكما مر معناه وكان هذا التفسير يدفع باتجاه محوري يدور حول مفهوم الخصاء الفرويدي الملازم للانسان المقهور، وكذلك العصاب والذهان والهجاس والنفاس... الخ. يكتب الدكتور حجازي "ان سيكولوجية التخلف من الناحية الانسانية تبدو لنا على أنها، اساسا، سيكولوجية الانسان المقهور" ويضيف "ان حياة الانسان المتخلف تنتظم في وحدة قابلة للفهم جدليا، وحدة لها تاريخها وسيرتها رغم ما يبدو عليها من سكون ظاهري، يسبقه تحكم التقليد وما يفرضه من جمود في المجتمع المتخلف.
من هنا ينطلق الدكتور حجازي الى دراسة الملامح النفسية للوجود المتخلف وذلك عبر المنظور النفساني للتخلف والذي يستبعد الطرق العديدة في دراسة التخلف. فمن وجهة نظره ان المنطلقات التقنية والاقتصادية والاجتماعية، السطحية منها والدينامية اكدت على نوعية وتركيب البنى المتخلفة، ولكنها جميعا، فيما عدا اشارات عابرة قد اهملت البنى الفوقية (النفسية، العقلية، القيم الموحيه للوجود) . وكذلك الخصائص النفسية للتخلف (القهر وعقد النقص والعار) يعود بعد ذلك المؤلف ليفرد صفحات عن "السيطرة الخرافية على المصير"
مفردا الصفحات لدراسات تتناول السحر والاولياء والجن والعفاريت والشيطان... الخ.
ان التفسير السيكولوجي الذي يسوقه حجازي مضمر بالتشخيص والعلاج، فقد شخص حجازي المرض، مرض المجتمع العربي المصاب بالخصاء والمهدد بالعصاب. وذلك بناء على تطبيق آلي للمفاهيم الفرويدية على الواقع العربي ظل هو الآخر محكموها بنزعة ترمي الى فرض المفاهيم الفرويدية على الواقع العربي. اما العلاج فكان بمثابة نتيجة تقع على عاتق النخبة المثقفة التي تدربت في الغرب على قيم العقلانية والتحرر والتي من شأنها ان تكسر حدة "التقليد وما يفرضه من جمود في المجتمع المتخلف" وان تقود المجتمع الى عتبات التحضر وذلك على طريقة النموذج الغربي. وكان هذا التفسير منطويا على نزعة علموية تهدف الى الحجر على المجتمع العربي التقليدي والذي لم يعد مجتمعا يحوي الخرافة، بل تحول الى ذات خرافية، وهذا ما يثير استغراب بدران وخماش وحجازي.
من الحجر الى الادانة، كانت النتائج الأولية والمباشرة، التي قادنا اليها هؤلاء الباحثون، تسير بهذا الاتجاه وتغذي بنفس الوقت ايديولوجيا عربية معاصرة وفاشية معا تدعو علنا الى احراق جثة البجعة المحتضرة "المجتمع العربي التقليدي"، واعادة رسمه على غرار الغرب، يكتب باحث عربي من دعاة تطبيق الماركسية على الواقع العربي ما يلي: في كل مرحلة تحول من التاريخ، ثمة بجعة تحتضر، اشكال معنوية انسانية جميلة تموت، وفي ثنايا الاشكال نفسها، ثمة، ايضا، قصيدة شعرية، ما تزال خفية، مبثوثة، غير ظاهرة ولا مسموعة، فهي تحتاج الى شاعر، كي يستشعر مكنونها، ويلقط بوادرها، ويستلم اطيافها ويستجمع معانيها... هذا هو الماركسي العربي" ويضيف اننا مطالبون بالسير في جنازة البجعة المحتضرة.. المجتمع العربي التقليدي، ثم الانعطاف الى مواكب شعراء المستقبل.
عبر هذا الجو المؤدلج والذي ساد طيلة عقود السبعينات والثمانينات، كان الدكتور علي زيعور، يحث خطاه باتجاه تدشين مدرسة التحليل النفسي للذات العربية، وجاءت أولى بواكيره "التحليل النفسي للذات العربية، بيروت دار الطليعة، 1977"، وبالرغم من ان جهود علي زيعور قد سبقت ما قام به حجازي، الا ان توالي اصداراته التي تغذيها معرفة جيدة بالتراث العربي الاسلامي، في شقيه الشفاهي والمكتوب، جاءت لتغطي أواخر عقد السبعينات وكل عقد الثمانينات وحتى منتصف عقد التسعينات ويزخم قل نظيره، ويندرج بحق في اطار التأسيس لمدرسة عربية في التحليل النفسي للذات العربية.
كان مدخل الدكتور علي زيعور الى الذات العربية عبر اللاوعي الثقافي ولغة الجسد وانجراحات السلوك وقطاع البطولة والنرجسية والاساطير والاحلام والكرامات، يستند الى مفهوم اللاشعور عند فرويد، وكان هذا يعني ايضا استخدام مفاهيم الخصاء والعصاب والهاجس النفسي في تحليل الذات العربية والتي بدت جاهزة لتطبيق هذه المفاهيم، وبالاخص في مجال "قطاع البطولة والنرجسية للذات العربية" والتي اظهرت على حد تعبيره، كيف يتحكم الخوف في الخصاء او قلق الخصاء بالذات العربية فالبطولة بكل تجلياتها وعبر مناهج التحليل النفسي تظل محكومة برؤية فرويدية للأب الكلي الذي يهدد اولاده بالخصاء (هو الحاكم او الطاغية ورجل السلطة عموما) الذي يتماهى به الاولاد ثم يثورون عليه لاحقا وينتهي الامر بقتله. وبالرغم من ان علي زيعور يجنح باتجاه اعتبار بعض الاوالويات الدفاعية التي تقوم بها النفس على انها اواليات صحية وسليمة، الا انه وباعتماده المنهج الفرويدي سوف يمهد الى ادانة المجتمع العربي، وكأن المجتمع العربي كارثة طبيعية وليس مجتمعا بشريا على حد تعبير برهان غليون في كتابه الموسوم بـ"مجتمع النخبة".
التحليل النفسي للشخصية اليهودية(5)
تحليل الشخصية اليهودية
لو راجعنا توضيحات فرويد واشاراته الصريحة للبارانويا اليهودية منذ ادعاء كون اليهود الشعب المختار للاله لوجدنا أن اليهود لم يكونوا بحاجة إلى النازي كي يتحولوا الى البارانويا (جنون العظمة). وعليه فان الاسر النازي لم يفعل سوى إيقاظ البارانويا اليهودية الكامنة والمكبوتة في ذل الشتات اليهودي والمقنعة بمظاهر الخنوع. ومع أننا لا ننكر آلية التوحد بالمعتدي التي ركز عليها أستاذ الأساتذة العرب ـ مصطفى زيور ـ الا أننا نريد التذكير بأن تكرار المذابح اليهودية عبر التاريخ لم يكن من قبيل الصدفة. وهذا يردنا إلى مقولة المحلل النفسي اليهودي روهايم: ينبغي أن يكون للطابع القومي كينونة ثابتة عبر الأجيال ترتكز على تكرار نفس الموقف الطفلي. حيث يمكننا اعتبار تكرار المذابح اليهودية مرتبطاً بهذا الموقف الطفلي. وهو الموقف المعتاد لمريض البارانويا حيث يجيد البدء مـن موقف الخنوع ثم يعمد إلى تعزيز موقعه تدريجياً حتى يصـل إلى الموقـع الذي يتلاءم مع تصوره المرضي. واجتياز هذه المراحل لايمكنه أن يتم بدون تسخير كل أساليب الخداع الممكنة. لكن اليهودي يصر على الاستمرار في هذا الموقع المغتصب وهو يملك إيمان مرضى البارانويا بأن هذا الموقع هو حق من حقوقه فلا يتراجع عنه. لأن البارانويا تمنعه من مراجعة أساليبه الخاطئة بصورة موضوعية. ومن هنا إصراره على الموقع وعدم ملكيته لمرونة التراجع عند الحاجة فينتهي الأمر بذبحه. وسنعرض بالتفصيل للنمط السلوكي اليهودي، المفسر لتكرار المذابح اليهودية عبر التاريخ ، في الفصول اللاحقة.
غاية القول أن التوحد بالنازي ليس سوى حلقة من حلقات البارانويا اليهودية. وبذلك يشهد التاريخ اليهودي. وعليه فاني اسمح لنفسي بمعارضة زيور في نقطة ثانية من تحليله فهو يقول ما نصه: " … لست أزعم أن الاسرائيليين هم طغمة من مرضى النفس ان مثل هذا القول تنبو
عنه الأمانة العلمية، ويعتبر انزلاقاً وراء التحقيق الوهمي للرغبات… ".
من جهتنا فاننا نتبنى هذا الزعم لأنه حقيقة نربأ بها عن أن تكون تحقيقاً وهمياً للرغبات. ولهذه الحقيقة أسانيدها التي لا تقبل الدحض. لذلك آثرنا عرض بعضها قبل أن نعرض لتحليلنا الشخصي للذات اليهودية. ومن هذه الأسانيد نذكر التالية:
أ ـ تشير دراسة الباحث اليهودي (هالفي) التي يذكرها زيور الى ارتفاع نسب الإصابة بالشيزوفرانيا (الفصام) بين اليهود وسكان الكيبوتزات منهم بشكل خاص. وان كنا لا نؤمن بأن لمكان السكن علاقة بهذا المرض.
ب ـ تشير دراسة الباحث " كينيون " الى ان اليهود هم الأكثر عرضة الاصابة بهجاس المرض (الهايبوكوندريا الذي يستند الى اضطراب شخصية من نوع البارانويا).
ج ـ ان المراجعة التاريخية للمذابح اليهودية تبين ان الجمهور المتأذي من اليهود هو الذي يشجع على المذبحة. بل انه غالباً ما ينفذها بيده على غرار ماسمي بـ" ليلة الكريستال".
د ـ ان انغلاق اليهـود فـي حاراتهم على مدى العصور هو عنصر تشخيصي من الدرجة الاولى لتصنيفهم في خانة البارانويا.
هـ ـ ان قدرة اليهودي على خيانة البلد الذي يحتضنه ويعطيه جنسيته ومواطنيته لصالح اسرائيل لهي دليل على فقدان اليهودي للحس الاجتماعي والاخلاقي.
و ـ ان رغبة اليهودي في الخلاص من الحماية الخانقة للغيتو هو الذي دفع، ويدفع، بعشرات الملايين من اليهود للذوبان في المجتمعات الاخرى. فبدون هذه الرغبة بالخلاص لكان عدد اليهود المعاصرين عشرات أضعاف عددهم الراهن.
ز ـ ان احتقار الأغيار(الشعوب غير اليهودية) هو من التعاليم التلمودية الأساسية غير القابلة للنكران أو التمويه.
ح ـ ان المبدأ الاساسي للعلاج السلوكي ـ المعرفي يركز على الأزمات التي يتعرض لها الشخص تكراراً لاعتباره أن لهذا التكرار سبب ما كامن في الشخص نفسه وليس في الاخرين. فهل نطبق هذا المبدأ على الشخصية اليهودية؟.
ونكتفي بهذا القدر من الأسانيد لننتقل إلى عرض تحليلنا لنمط التربية اليهودية من وجهة تحليلية.
6 ـ نمط التربية اليهودية وتحليله.
يعيش الطفل اليهودي أجواء اسرية مليئة بالأساطير والبطولات والتراث المتعالي على الآخر. لكنه وعندما يخرج من الأجواء السامية يجد نفسه محتقراً على عكس إيحاءات التفوق التي امده بها الغيتو. وهذا التناقض يولد نوعاً من التمرد النرجسي الذي يدفع بالطفل ، لاحقاً البالغ، اليهودي الى خوض المنافسات العنيفة اثباتا لذاته وانتصارا لايحاءات تربيته. في هذه المنافسات (الصراعات) ينظر اليهودي الى اليهود الآخرين بوصفهم شركاء في المعاناة. وتمكن ملاحظة هذه القدرة التنافسية لدى أطفال اليهود من خلال المنافسة الدراسية. التي تتحول الى ميدان للصراع ولاثبات الذات لدى الأطفال اليهـود. وذلك بحيث تحولت المدارس اليهودية ـ الاليانس مثلاً والجامعات ـ مثلا هارفرد ـ الى رمز للتفوق الدراسي.
ولو نحن قرأنا هذه المنافسة على ضوء التحليل النفسي لتبين لنا أن الطفل اليهودي الذليل في المجتمع يحاول الدفاع عن " هوية الانا " لديه. وهو لا يجد، ولا يقبل وفق تربيته، دفاعاً محايداً عن هذه الهوية. لذلك فهو ينخرط في هجوم عدواني مقنع (مستتر) على المجتمع الذي يحتقره. واستناداً الى التراث اليهودي (الذي ربي الطفل على أساسه) فان أقصر السبل وأهونها هو جمع قدر أكبر من المال. إذ أن للمال سلطة موازية تمكن صاحبه من اختراق سلطة المجتمع. أما بالنسبة للطفل فان العلامات الدراسية هي بديل المال وهي المساعدة له للحصول على الاعتراف وبالتالي للتمرد على الاحتقار. وسواء تعلق الأمر بالمال أو ببدائله الرمزية فان اليهود يسلكون سلوك جمع المال بغض النظر عن اسلوب هذا الجمع وعن اخلاقية هذا الاسلوب. تدعمهم في ذلك اسطورة دينية تقول بأن كل أموال الارض هي ملك لليهود. فاذا ما خرج بعض اليهود على قاعدة تجميع الأموال فهم يفعلون ذلك لتحقيق سيطرة وسلطة بديلة عن سلطة المال. على هذا الاساس يمكننا الاستنتاج بأن محركات الطموح اليهودي هي محركات عصابية واضحة. وهذا ما تمكن ملاحظته عند فرويد ذاته.
...........................................................................
المعجم الموسوعي في علم النفس
نوربير سيلامي
1- راكان المجالي / جريدة الدستور الاردنية
2- موقع العلوم النفسية
3- نبيل محسن/ مجلة معابر
4- تركي على الربيعو / مجلة نزوى
5- المركز العربي للدراسات المستقبلية
^
[img][/img]